ناطحات السحاب

---

هناك مزايا وسيئات في أبعاد البنايات، فإن كان الشخص محظوظا في أن يتواجد في الطوابق العليا فإن المنظر يكون استثنائيا إلا إن هذا الارتفاع يلزم الأشخاص بعدم فتح النوافذ بعد عدد معين من الطوابق فالريح واختلاف الضغط الجوي تفرض العزل التام.
أما اتساع الطوابق خصوصا في قاعدة البناية له نتيجة سيئة على موضوع الإضاءة فمع التنظيم القياسي للمكاتب تكون المكاتب القريبة من النوافذ فقط هي التي تحصل على إضاءة طبيعية. وهكذا فإن المكاتب ليست مخططة بوضوح وتتألف الطوابق من فضاءات واسعة تستطيع استقبال بضع عشرات من الأشخاص بل وأكثر.
تتألف ناطحات السحاب في أغلبها من مكاتب وتأتي بعدها المتاجر. تستقبل يوميا عدة آلاف بل عدة عشرات الآلاف من الأشخاص يوميا.

لذا ينظر إلى ناطحات السحاب كمدن حقيقية أو باعتبارها مراكز مدن بما فيها من مطاعم وسينمات ومكتبات، الخ. إلا إنها تفرغ تماما في المساء ولا تعود للحياة إلا في الصباح التالي.
يلزم هذا العدد من الأشخاص الذين يمكن أن تستقبلهم البناية وجود تنظيم خاص جدا فمثلا مرآبات السيارات تحتوي على عدد كبير من الأماكن موزعة على طوابق عديدة تحت الأرض ؛ ولأسباب أمنية فهي غير موجودة تحت البناية مباشرة بل حولها كي تكون بعيدة عن الأسس.
التنقلات داخل ناطحة السحاب مأخوذة بالحسبان أيضا فالدخول صباحا والخروج مساءا يجب أن يكون موزعاً بشكل كاف على الوقت كي يسمح بحركة تنقل جيدة ويضمن الأمان أيضا. المصاعد في ناطحات السحاب هي عبارة عن منظومات حيوية فلا يوجد أحد قادر على الصعود والنزول لعشرات الطوابق عن طريق الدروج. وكما هو متوقع فإنه كلما زاد ارتفاع البناية يزداد تنظيم المصاعد تعقيدا حيث يفترض إنها تنقل الأشخاص إلى أي طابق في زمن قليل جدا.
أحد الحلول المستخدمة هو تصميم المصاعد المباشرة أو المصاعد المتعددة الاتجاهات. تسمح المصاعد المباشرة بالوصول السريع إلى طوابق محددة وبشكل سريع جدا لا يتجاوز العد إلى 2 أو 3. أما المصاعد المتعددة الاتجاهات فهي تخدم في الوصول إلى الطوابق الفرعية المراد الوصول إليها.
وهكذا فلبلوغ طابق معين يتم أخذ المصاعد المباشرة والانتقال منها إلى المصاعد المتعددة الاتجاهات وكانت مصاعد برجي التجارة العالمية مصممة على هذا المبدأ. أما أبراج "بيتروناس" فهي تحتوي على 76 مصعداً منها 29 مصعداً بسرعة كبيرة. مع كل هذه الإجراءات فإنه بالإمكان أن ينتقل 25% من سكان البناية خلال 5 دقائق ولا يتجاوز الوقت للوصول إلى الطابق المطلوب أكثر من 155 ثانية.
تفرض هذه الأبعاد القصوى والشاسعة لناطحات السحاب ترتيبات خارجة عن العادة لأي عملية صيانة مهما كانت صغيرة. وهكذا فإن تنظيف الزجاج أصبح أوتوماتيكيا أكثر فأكثر ولو إن التنظيف اليدوي مازال موجودا. أما التخلص من النفايات فيتم عموما عن طريق مصاعد مخصصة لهذا الغرض.
تاريخ ناطحات السحاب
1848 ناطحة السحاب الأم هي “هوم انشورنس بلدنغ” في شيكاغو صمم المهندس وليام لوبارون جيني في شيكاغو البناية التي قبلت باعتبارها أول ناطحة سحاب وهي بناية "هوم أنشورنس بلدنغ". بنيت العمارة المكونة من 10 طوابق والتي يبلغ ارتفاعها 42م في عام 1884-1885 وتم هدمها في 1931. بنيت من الفولاذ والطابوق وكانت أول بناية تحتوي على هيكل معدني سمح لها بالإضافة إلى ارتفاعها المميز أن تحتوي على عدد كبير من النوافذ.
كانت البناية أقل ثقلا ثلاث مرات مما كانت ستكون عليه لو بنيت بالحجر وأدى ذلك إلى إيقاف العمل فيها بشكل مؤقت من قبل الدوائر الرسمية وذلك للسماح بدراسات الأمان الإضافية. تعتبر هذه البناية النموذج السابق لما سيسمى فيما بعد بمدرسة شيكاغو.
1905 "متروبوليتان لايف أنشورنس بلدنغ" في نيويورك
أنجزت عام 1909 وبقيت أعلى بناية في العالم حتى عام 1913. يبلغ ارتفاعها 241م ومكونة من 50 طابقاً. تم هدمها في أعوام الخمسينيات.
1913 "وولورث بلدنغ" في نيويورك
صمم البناية المعماري جلبرت وكانت ذات طراز قوطي جديد استوحاه المهندس من برلمان لندن. وكانت سابقا مقرا لفرانك وولورث وهو المالك لمجموعة محلات بهذا الاسم. وكانت أعلى بناية في العالم لحد عام 1930 حيث كانت مكونة من 60 طابقاً ويبلغ ارتفاعها 241 طابقاً.
1930 "بنك مانهاتن" في نيويورك
بني بنك أميركا بين عام 1929-1930 وضرب الرقم القياسي في الارتفاع حيث بلغ ارتفاعه 282م ومكون من 71 طابقاً لكنه لم يحتفظ بهذه المكانة طويلا حيث تجاوزته بناية "كريسلر بلدنغ" في العام نفسه.
بناية "بنك أوف أمريكا" اشترتها شركة تدعى "ذي ثرمب كومباني" عام 1955 وهي تدعى الآن باسم "ثرمب بلدنغ".
1931 "أمباير ستيت بلدنغ" في نيويورك
تم إنجاز البناء في ناطحة السحاب هذه عام 1931. يبلغ ارتفاع هذا البناء العملاق 381م ويتجاوز 100 طابق ففيه 102 طابق وسيبقى هو الأطول في العالم لمدة 40 عاما. ففي عام 1972 نال برجا التجارة العالمية الرقم القياسي إلا إن الأمباير ستيت عادت لتكون أعلى بناية في نيويورك بعد أن تهدم البرجان في اعتداءات 11 سبتمبر 2001. جاء اسم "الأمباير ستيت" من معناه "الولاية الإمبراطورة" وهو الاسم الذي يطلق على نيويورك.
أما برج الهوائي الذي يعلو البناية فقد نصب عليها كنقطة رسو لما كان يسمى بالزيبلان التي كانت واسطة نقل عبر المحيط وكانت رائجة كثيرا في ذلك الوقت. مع هذه الإضافة في الطول يبلغ ارتفاع البناية 449م.
كان تاريخ هذه البناية متقلبا فقد بقيت نصف مكاتبها (4000 مكتب) فارغة في عام 1933 وذلك بسبب الأزمة التي دمرت سوق العقار ولكن لحسن الحظ فإن فلم "كنغ كونغ" أعطاها سريعا شهرة عالمية وفي أعوام الأربعينيات كانت كل مكاتبها مؤجرة.
في 28 تموز 1945 تحطمت قاصفة ميتشل B-25 على الجزء الشمالي في البناية وفي مستوى الطابق 79 منها. إلا إن البناية قاومت الصدمة بالرغم من الأضرار البليغة وتم إطفاء الحريق في 40 دقيقة إلا إن 13 شخصاً ماتوا في الحادث.
في الطابق الأخير يوجد مرصد يسمح بمشاهدة منظر رائع لمدينة نيويورك. تتنوع الإضاءة في قمة البناء بحسب الأعياد والأحداث. وتعتبر الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين بناية "الأمباير ستيت" كواحدة من عجائب الدنيا السبع في عالمنا الحاضر.
1972 برجا التجارة العالمية في نيويورك
يقع البرجان جنوب مانهاتن وكانت تضم مجموعة من سبعة أبنية مكاتب واستغرق بناؤها بين 1969 و1977 وصممها المهندس المعماري مينورو ياماساكي.
أصبح برجا التجارة العالمية ( WTC1و WTC2 ) بعد أنجازهما في 1972 و1973 أعلى برجين في العالم وبقيا أعلى برجين في نيويورك (417م و415م وفيهما 110 طوابق) حتى انهيار المبنى بأكمله في 11 سبتمبر 2001.
كان بناء البرجين مبتكرا واستخدمت فيهما تقنية النواة المركزية إضافة إلى الهيكل المعدني المؤلف من 240 عموداً فولاذياً تحيط بكل برج. هذا إضافة إلى 10000 ماص للصدمات يتضمنها الهيكل وكانت تعطي للبناء مقاومة جيدة ضد الريح.
تعرض برجا التجارة العالمي لأول اعتداء إرهابي عام 1993 ففي 26 شباط انفجرت شاحنة مليئة بالمتفجرات في مراب السيارات المبني تحت الأرض في البرج الشمالي مخلفة حفرة بعمق 30م ودمرت أربعة طوابق وقتلت 6 أشخاص وجرحت ألفاً آخرين. أدى الهجوم إلى تخليف أضرار جسيمة وأغلق البرجان لعدة أشهر.
أما اعتداءات 11 سبتمبر فقد دمرت الموقع بأجمعه. صمم البرجان لتحمل صدمة طائرة بوينغ 707 إلا إن الطائرات التي استخدمت في الاعتداء كانت من نوع بوينغ 767 وهي أكبر من الأولى. عند الصدمة تأثر الهيكل الداخلي للبنايات واندلعت الحرائق بعدها بسبب وقود الكيروسين في الطائرات حيث انطلقت درجة حرارة عالية جدا على مستوى الهيكل المعدني بحيث أن البنايات انهارت خلال بضع عشرة دقائق.
ولم يحتفظ برجا التجارة بلقب أعلى بناية في العالم لفترة طويلة فقد حازت هذا اللقب بناية "سيزر تور" في شيكاغو.
1998 برجا "بيتروناس" في كوالا لامبور
صمم برجا بيتروناس التوأمان المعماري سيزار أنتونيو بيلي في كوالا لامبور في ماليزيا. تم افتتاحهما عام 1998 بعد 6 أعوام من البناء. هذان البرجان هما اعلى بناء في العالم اليوم. حيث يبلغ ارتفاعهما 452م وفيهما 88 طابقاً.
هناك ممر فولاذي يربط البرجين على ارتفاع 170م من الأرض وبمستوى الطابق 41 و42.
وصلت كلفة البناء إلى 1.6 مليار دولار. وأصبحت شركة "بيتروليوم ناسيونال بيرهارد" والمعروفة في الغالب باسم بيتروناس أصبحت شريكاً ومطوراً مشتركاً للمشروع. وبالنسبة للمقر الرئيسي لبيتروناس فإن البناء كان يجب أن يكون معرفا ومبنيا على الطراز الماليزي وتم هكذا تحديد الأسلوب المعماري للبناء. لكن حصلت مشكلة حول ارتفاع البناء ؛ حيث اعتبر البعض ان الجزء العلوي للهيكل هو إضافة باعتباره هوائيا أما مصممو الأبراج فكانوا يرو فيه قبة البرج وهو جزء مدموج في الهيكل. وبدون هذا العنصر فلن تكون أبراج بيتروناس أعلى بناية في العالم ولبقيت بناية "سيزر تور" هي الأعلى ويبدو إنه في النهاية تم اعتبار هذا العنصر كقبة وأعطي الحق للمصممين.
2007 برج المال العالمي في شنغهاي
كان من المتوقع أن يكون هذا البرج أعلى برج في العالم إلا إنه لم يصبح كذلك. يحتوي هذا البرج على 101 طابق ويبلغ ارتفاعه 492م أي إنه سيكون أقصر من برج "تايبي101" الذي يبلغ ارتفاعه 508م. بدأ العمل الذي كلف 800 مليون دولار عام 1997 إلا إن الأزمة المالية الآسيوية كانت السبب في تعليق العمل. انتهى العمل فيه عام 2007. الدائرة المحفورة في أعلى البرج ليست فقط لأغراض جمالية إنما صممت أيضا كي تقلل الجهد الذي تسببه الرياح على الهيكل.
ناطحات سحاب في طور البناء
2008 برج دبي
سيكون هذا البرج أعلى ناطحة سحاب وبدون منازع حيث يبلغ ارتفاعه 705م وبعض المصادر تقول إنه سيبلغ 800م حيث لم يصرح بشكل رسمي لحد الآن عن ارتفاع المبنى وهو بذلك سيزيل برج "فريدم تور" الجديد في نيويورك عن عرشه.
بدأت الأعمال في برج دبي عام 2005. تبلغ المساحة الكلية للبناء 500000م² وسيضم أكبر مركز تجاري في العالم إضافة إلى المكاتب والفنادق والشقق الفاخرة. استوحى المعماريون فكرة البرج من التأثيرات الثقافية للمنطقة في تشييد هذا البناء حيث إن الشكل الهندسي للقاعدة يشبه أحد الزهور المعروفة في الصحراء في تلك المنطقة مع أوراقها. هذا التصميم الهندسي سمح أيضا بتوزيع أفضل للجهد الذي تسببه كتلة العمل على الهيكل وعلى الأرض.
الجهة المنفذة للعمل هي الشركة العقارية "اعمار" أما تصميم العمل فيعود لمكتب سكيدمور، أونغز وميرل الهندسي في شيكاغو. وتم ضمان الكلفة المالية للبناء من خلال الإتحاد المالي لمجموعة سامسونج الكترونك الكورية الجنوبية.
2008-2010 "فريدم تور" في نيويورك
سيكون برج الحرية أعلى برج في المجمع حيث يجب أن يحل محل برجي التجارة العالمية. اقترح المهندسان دانييل ليبسكايند وديفيد جايلدس النموذج الأول من البرج. كان من المفروض أن يذكر المعمار الخاص للبناء بتمثال الحرية الذي يرفع شعلة الحرية على السماء. تم تغيير التصميم في حزيران 2005 وذلك بما يسمح للبناء بمقاومة أي هجمات إرهابية محتملة.
تمت إعادة رسم برج الحرية بحيث يتوافق مع متطلبات الأمن التي ألزمتها إجراءات الوقاية ضد الإرهاب حيث إن الخطر الكبير باعتداء إرهابي على نيويورك مازال قائما بحسب الخبراء عن طريق سيارة أو شاحنة مفخخة. لذا فقد اختير مكان البرج على بعد حوالي 20م من شارع ويست ستريت ؛ أما المسافات التي تفصل الرصيف عن البناء فتتراوح بين8 إلى 27م. كما جهز البناء بقاعدة مربعة ارتفاعها 61م مؤلفة من المعدن والخرسانة ومصممة لتحمل الإنفجارات.
تغير الشكل الكلي للبناء بشكل كبير حيث عن شكله الإجمالي أصبح أكثر تقليديا حيث ألغيت فكرة الشكل العام المشابه للسهم بالرغم من بقاء القطع المائل واضحا في نهايته. المعمار الجديد يسمح بزيادة الأمن للبناء بأجمعه. سيكون ارتفاع الطابق الأخير في الهيكل 415م أي مساوياً للبرجين السابقين.
بني 69 طابقاً من المكاتب تحت قاعدته التي تبلغ ارتفاع 61م. وستبقى المساحة الكلية المسكونة دون تغيير بالقياس مع المشروع القديم والتي تبلغ 240000 م² .
رمزية البناء تفرض بأن يتم زيادة ارتفاع البناء بإضافة سهم ضخم عليه والذي سيوصل الارتفاع النهائي للبناء إلى 541م. وفي الواقع فإن هذا البرج محمل بالرموز فارتفاعه يبلغ 541م أي 1776 قدماً وهو عام استقلال الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك تنظيم الأبنية الذي سيسمح انعكاس الشمس عليها بإنارة ضوء الشمس للموقع القديم للبرجين والذي بقي فارغا وتماما في الوقت الذي حدثت فيه الاعتداءات والانهيار. وأخيرا فقد وضع الحجر الأساس للبناء في 4 تموز وهو عيد الاستقلال الأمريكي.
الخلاصة
من ذلك نستطيع أن نتحقق من ان تزايد بناء ناطحات السحاب لم يتوقف منذ نهاية القرن التاسع عشر. التقنيات الجديدة إضافة إلى استخدام المواد الجديدة في البناء سمح للمعماريين بتصميم أبنية طموحة أكثر فأكثر وسمحت إرادة الإنسان بإنجازها. يبلغ ارتفاع أعلى ناطحات السحاب اليوم حوالي 500م إلا إن هناك ناطحات أخرى في طور التحضير سيكون ارتفاعها فوق مستوى الخيال.ومن المحتمل أن ينظر الأطفال بعد مئة سنة إلى ناطحات السحاب الحالية كما ننظر نحن اليوم إلى أبنية
نهاية القرن التاسع عشر.

ولكم يا عمري

ولكم اخو حبيبي