بقلم د. علي محمد فخرو
تعليق..يوسف أبوسالم
هل حقا يعي المسؤولون الكبار والصغار في دول مجلس التعاون حجم وفداحةالخطرين المفجعين اللذين سيأتي بهما المستقبل غير البعيد بالنسبة لعروبة مجتمعاتدولهم؟ الخطر الأول المتمثل في عمالة أجنبية، غير عربية، تتدفق بإعداد ضخمة، ثمتتوالد، ثم تستقر، ثم تصبح مشكلة اجتماعية وأمنية وسياسية فقد نوقش من قبل الكثيرمن الجهات الرسمية والمنابر، وصدرت بشأنه الكثير من التوصيات التي لم تنفذ في كثيرمن الحالات علي أي حال. وهو حديث ذو شجون سنتركه لمناسبة أخري.
أما الخطر الثاني
المتمثل في التراجع المتنامي المقلق لوعاء الثقافة العربية، ونعني به وعاء اللغةالعربية، فانه لم ينل نصيبا كافيا من الإهتمام يوازي حجمه ويراعي محوريته فيالمحافظة علي هوية ساكني هذه المجتمعات. ذلك أن اللغة الغربية هي وعاء الثقافةالعربية، فإذا ضعفت اللغة ضمرت الثقافة التي بدونها تذوي وتذبل حيوية إنسانية المجتمعات. يتجلي هذا الخطر في الآتي:
أولا ـ
يشهد الجميع بأن الطلبة الخريجين،وعلي الأخص خريجي المدارس الخاصة، يعانون من ضعف شديد في لغتهم العربية الفصحي سواء علي مستوي التحدث أو القراءة أو الكتابة. وبسبب من ذلك يبتعد هؤلاء بعد تخرجهم عنالتواصل مع مصادر الثقافة العربية الفكرية والأدبية والعلمية الرصينة. فهولاءلايستطيعون قراءة وفهم القرآن الكريم أو الشعر العربي أو كتابات مؤلفين من أمثالالكواكبي أوطه حسين أو جبران خليل جبران أو محمد عابد الجابري علي سبيل المثال. لاالحصر وشيئا فشيئا تقتصر قراءاتهم علي الصحف (إذا حدثت) والمجلات التي تستعمل اللغةالمبسطة والتي لا تربطهم بالنتاج الفكري والعلمي العميق في ثقافة أمتهم. ومع الوقتيتخلي هؤلاء حتي عن ذلك لتقتصر قراءاتهم علي الصحف والمجلات الأجنبية
ثانياـ
ذلك ان الثنائية اللسانية بالنسبة لهؤلاء الطلبة، أي تعلمهم للغة أو لغات أجنبيةبالإضافة للغتهم الأم، بدأت تميل أكثر فأكثر لصالح اللغات الأجنبية علي حساب اللغةالقومية. إن متطلبات العولمة الاقتصادية التي جعلت الشركات الأجنبية الدولية مهيمنةفي الأسواق العربية والتي تتطلب الاستعمال: الكثيف للغة الأجنبية وما يرتبط بها منكمبيوتر وانترنت أقنعت أهالي الطلبة والطلبة أنفسهم بإعطاء أفضلية لتعلم علي الأخصاللغة الانكليزية ووضع كل شيء آخر في هامش الحياة التربوية والتعليمية.. هنا تبدأالمشكلة الكبري، ذلك أن العقل أداة للتفكير واللسان العربي مرتبط كأداة للتعبيرفإذا ضعفت هذه الأداة تم التفكير بلغة أخري وسقط الفرد تحت هيمنة وقوة أصحاب تلك اللغة الأخري، أي سقط الفرد تحت هيمنة ثقافة الآخرين. ومنذ زمن طويل إنتبه ابنخلدون لظاهرة الارتباط القوي بين هيمنة اللغة والهيمنة السياسية فهيمنة اللغةالانكليزية لن تعني هيمنة أداة إتصال محايدة، بل ستعني هيمنة تفكير وهوية وولاءعاطفي، ثم ولاء سياسي لأصحاب تلك اللغة. ولقد بدأنا نشاهد جيلا يفهم قضية فلسطينومأساة إحتلال العراق وتخلف أمته الاقتصادي والاجتماعي من خلال مشاهدته لمحطاتفضائياتهم ومن خلال قراءته لكتبهم. إن ضعف لسان هذا الجيل، لغة وكلاما، سيحمل كارثةثقافية، والتي ستتبعهاكارثة سياسية في المستقبل المنظور.
ثالثا ـ
إن ثنائيةاللغة العربية الفصحي واللهجة العربية المحكية لن تعصم هذا الجيل من الأخطار التي ذكرنا. فالتكلم باللهجات المحلية سيبقي عند هؤلاء القدرة علي التفاهم اليومي معمجتمعاتهم، ولكنه لن يكون كافيا لربطهم الوثيق بمنابع ثقافتهم الأساسية، فهذه فيمجملها مكتوبة ومحكية باللغة العربية الفصحي التي يضحي بها الآن علي مذابح مختلفالإدعاءات في عوالم المال والاقتصاد في إعتقادي أن حل مشكلة اللغة العربيةكأداة تواصل وثقافة في نفس الوقت ليس بالصعب. إنه يحتاج إلي إرادة سياسية وقراراتتنظيمية تضع اللغة العربية الفصحي في قلب الحياة اليومية للفرد العربي يستطيعالقادة في دول مجلس التعاون أن يتغنّوا ما شاؤا بكلمات الأصالة والتراث والأجدادوالعادات، لكن كل ذلك سيصبح هباء منثورا إن ماتت اللغة العربية الفصحي..........!!
تعليق المهندس يوسف أبوسالم -
نشرهذا التعليق في نفس العدد من الجريدة
نعم يا دكتور فخرو ...إن اللغة العربية مهددة ..ليس فقط في الخليج العربي ..ولكن على مساحة الوطن العربي كله وهناك مظاهر متعدد لاستلاب هذه اللغة عن قصد أو غير قصد ففي مواقع النت العديدة ..تجد الكثير الكثير من الأسماء الرمزية لأعضاءالمنتديات المختلفة مكتوبة باللغة الإنجليزية على الأغلب وهناك من يكتب الإسم بالعربية ولكن بحروف إنجليزية ..أما عن المشاركات التي تكتب في هذه المنتديات ..فحدث ولا حرج ..لأن معظمها يكتب بلغة ضعيفة مليئة بالأخطاء الإملائية...فضلا عن أن الكثير من هذه المشاركات يكتب باللهجات المحلية ..وهو أمر يفاقم من غربة العربية بشكل أو بآخر ... أما لغة الإعلام العربي وعلى وجه الخصوص ..في الفضائيات والمحطات المحلية ..فإن اللغة السائدة هي اللهجات المحلية إذا استثنينا نشرات الأخبار والقليل من البرامج ..وحتى نشرات الأخبار ..فإنها أصبحت تستعمل ما يمكن أن نطلق عليه( لغة الجرائد ) وهي لغة تقع في المنطقة الوسطى بين الفصحى والعامية .. وإذا استعرضنا أسماء الشركات والمحال التجارية ..في طول الوطن العربي وعرضه ..فإننا نجد أن استعمال الأسماء الأجنبية يغطي معظم هذه الشركات والمحال ... ويزداد الأمر سوءا إذا تم الإطلاع على الأحاديث الدارجة في التليفونات المحمولة ..التي يتم التدول في معظمها بلغة تستعمل الحروف الإنجليزية ..وقد تم ترميز الكثير من المصطلحات والكلمات والأحرف ..بطريقة تحتاج إلى دورة لا تقل عن أسبوعين للتدريب على فك رموز تلك اللغة ... وإذا ما عرفنا أن حجم تبادل الرسائل في التليفونات المحمولة ..يكاد يشمل معظم أحاديث الشباب ..وخصوصا في الأعياد والمناسبات المختلفة ندرك حجم تفاقم الخطر الذي يتسلل إلينا تدريجيا ... ولعل من المفيد الإشارة إلى ظاهرة شديدة الخطورة علميا وثقافيا ...ولغويا ..وهي نقل الأبحاث العلمية والأدبية من مواقع الإنترنت المختلفة ..ويتم هذا النقل ..على مستوى طلبة الجامعات والمدارس .. وهو أمر يقتل في جيل الشباب ..والفتيان ..الإستعداد لإجراء الأبحاث المختلفة ...واستعمال اللغة العربية في هذه الأبحاث لأنه يجد البحث الذي يريده جاهزا ..فلا يكلف نفسه حتى بقراءته .... وأختم بأن معظم الجامعات العربية تشترط تعليم كثير من التخصصات باللغة الإنجليزية...إن لم يكن معظمها ...ومن الطريف أنني أعرف شخصيا أكثر من دكتور بالأدب العربي حصل على شهادة الدكتوراة في الأدب العربي ..باللغة الإنجليزية.......!!!!